روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | كيف نعَّظم الحبيب.. صلى الله عليه وسلم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > كيف نعَّظم الحبيب.. صلى الله عليه وسلم


  كيف نعَّظم الحبيب.. صلى الله عليه وسلم
     عدد مرات المشاهدة: 2592        عدد مرات الإرسال: 0

اهتم أهل السنة والجماعة واعتنوا بجمع خصائص النبي ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  ، وإبراز فضائله وحسن أخلاقه، فلم يخل كتاب من كتب السنة من ذكر مآثره.

كما أُفردت كتب مستقلة للحديث عنه وعن سيرته وشمائله ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  ، مما يدعو كل مسلم أن يعظمه ويوقره، قال الله تعالى:  {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الفتح: 9: 8) .

يقول ابن القيم:  " ومما يُحْمد عليه - صلى الله عليه وسلم - ما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشيم، فإن من نظر في أخلاقه وشيمه - صلى الله عليه وسلم - علم أنها خير أخلاق الخلق.

وأكرم شمائل الخلق، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان أعظم الخلق، وأعظمهم أمانة، وأصدقهم حديثاً، وأجودهم وأسخاهم، وأشدهم احتمالاً، وأعظمهم عفواً ومغفرة، وكان لا يزيد شدة الجهل عليه إلا حلماً.

كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو ـ  رضي الله عنهما ـ  أنه قال في صفة رسول الله في التوراة:  " محمد عبدي ورسولي، سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، وأفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا ".

وأرحم الخلق وأرأفهم بهم، وأعظم الخلق نفعاً لهم في دينهم ودنياهم، وأفصح خلق الله وأحسنهم تعبيراً عن المعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة الدالة على المراد، وأصبرهم في مواطن الصبر، وأصدقهم في مواطن اللقاء.

وأوفاهم بالعهد والذمة، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه، وأشدهم تواضعاً، وأعظمهم إيثاراً على نفسه، وأشد الخلق ذبَّاً عن أصحابه، وحماية له، ودفاعاً عنهم، وأقوم الخلق بما يأمر به، وأتركهم لما ينهى عنه، وأوصل الخلق لرحمه ".

ومن أسباب تعظيم الحبيب ـ  صلى الله عليه وسلم ـ : 

تعظيم الله ـ  عز وجل ـ  له، حيث أقسم بحياته في قوله تعالى:  {لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} (الحجر: 72)، كما أثنى عليه فقال: {وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4)، وقال: {ورَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (الشرح: 4) ، فلا يُذكر بَشَر في الدنيا ويثنى عليه كما يُذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويثنى عليه.

ومنها:  أن من شروط إيمان العبد أن يعظم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال - تعالى -:  {إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأَصِيلاً} (الفتح 8:  9) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول: " إن قيام المدحة والثناء عليه، والتعظيم والتوقير له، قيام الدين كله، وسقوط ذلك سقوط الدين كله ".

ومن أسباب تعظيمه ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  كذلك ما ميزه الله - تعالى - به - من شرف النسب، وكرم الحسب، وصفاء النشأة، وأكمل الصفات والأخلاق والأفعال، وما تحمله - صلى الله عليه وسلم - من مشاق نشر الدعوة، وأذى المشركين بالقول والفعل حتى أتم الله به الدين وأكمل به النعمة.

تعظيم الصحابة للنبي ـ  صلى الله عليه وسلم ـ : 

لما نال الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - شرف لقاء وصحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كان لهم النصيب الأوفى من توقيره وتعظيمه مما سبقوا به غيرهم، ولم ولن يدركهم أحد من بعدهم. . وأجمل من وصف شأنهم في ذلك عروة بن مسعود الثقفي - رضي الله عنه ـ  حين فاوض النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية، فلما رجع إلى قريش قال: 

"أي قوم! والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إنْ رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن تنخمَّ نخامةً إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدُّون النظر إليه تعظيما له. . " رواه البخاري.

إن الأمر بتعظيم وتوقير النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني أن ذلك عبادة، ومن ثم فالسؤال الذي يطرح نفسه:  كيف نعظم الحبيب - صلى الله عليه وسلم - ؟

إن من أجَّل وأعظم صور توقير الحبيب ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  الاقتداء به واتباعه، فمتابعته - صلى الله عليه وسلم - هي مقتضى الشهادة بأن محمداً رسول الله، ولازم من لوازمها، إذ معنى الشهادة له بأنه رسول الله حقاً ـ  كما يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب:  " طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يُعْبد الله إلا بما شرع ".

وهذا من كمال التعظيم والتوقير، إذ أي تعظيم أو توقير للنبي - صلى الله عليه وسلم - لدى من شك في خبره، أو استنكف عن طاعته، أو ارتكب مخالفته، أو ابتدع في دينه، وعَبَد اللهَ من غير طريقه؟ ! ، ومن ثم قال ـ  صلى الله عليه وسلم ـ :  (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد(مردود عليه) ) رواه مسلم.

ومن صور تعظيم النبي ـ  صلى الله عليه وسلم ـ : 

الثناء والصلاة عليه، والتأدب عند ذ كره - صلى الله عليه وسلم - بأن لا يذكر باسمه مجرداً، بل يوصف بالنبوة أو الرسالة، والإكثار من ذكره، والشوق لرؤيته، وتعداد فضائله وخصائصه، ومعجزاته ودلائل نبوته، وتعريف الناس بسنته وتعليمهم إياها، وتذكيرهم بمكانته ومنزلته وحقوقه، وذكر صفاته وأخلاقه وخلاله، وما كان من أمور دعوته وسيرته وغزواته. .

ومتى كان تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - مستقراً في القلب، فإن آثار ذلك ستظهر على الجوارح واللسان حتماً لا محالة، حيث يجري اللسان بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه، وترى باقي الجوارح ممتثلة لما جاء به ومتبعة لشرعه وأوامره، ومؤدية لمالَه من الحق والتكريم، وذلك كله في حدود المشروع، وسطاً بين الجفاء وبين الغلو.

ومن صور التعظيم للحبيب ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  تعظيم ما جاء به من الشريعة المتضَّمَنَة في الكتاب والسنة كما فهمها سلف الأمة، وذلك باتباعها والتزامها قلباً وقالباً، وتحكيمها في كل مناحي الحياة، وشؤونها الخاصة والعامة، فإن هذا هو مقتضى التعظيم الحقيقي، والتوقير الصادق للحبيب ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  .

ولذا قدم الله - عز وجل ـ  هذه الصورة من صور تعظيمه، وهذا الأدب على سائر الآداب الواجبة معه - صلى الله عليه وسلم - ، فنهى عن التقدم بين يديه بأمر دون أمره، أو قول دون قوله، فقال تعالى:  {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الحجرات: 1) .

ومن ثم فأسعد الناس حظاً بتعظيمه، وأقربهم إلى الشرب من حوضه، هم من أحيوا سنته واتبعوا شريعته وهديه ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  .

إن ادعاء تعظيم الحبيب ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  ينبغي ترجمته باتباعه، والاقتداء بأفعاله ومواقفه، التي عاشها في العسر واليسر، وفي الرضا والغضب، والفقر والغنى، والفرح والحزن، وحين أدبرت عنه الدنيا، وحين كانت تقبل عليه، بل في حياته كلها، قال الله تعالى:  {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب: 21) . .

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المعظمين لرسولنا - صلى الله عليه وسلم ـ  المتبعين لسنته، وأن يحشرنا في زمرته، ويسقينا من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا. .
 

المصدر: موقع إسلام ويب